top of page
  • Writer's pictureملاك الراشد

الفتاة العابثة الخيالية في الأدب والسينما


MPDG WARSHAT MOKH

كم فيلمًا شاهدته يحتوي على شخصية الفتاة كثيرة الضحك، التي تحب المغامرة وتتصرف بطفولية وبلا مُبالاة؟ تلك التي تثير الفوضى، وتلبس ملابس غريبة، وتحاول قدر الإمكان أن تبدو عميقة، لكنّ أغلب مقولاتها سطحية ومن شأنها فقط أن تُغير حياة البطل؟ الفتاة التي لا تمتلك أي هدف في الفيلم أو الكتاب غير إسعاد البطل الذي غالبًا ما يكون رجلًا بائسًا مُملا على حافة الانهيار؟

هذهِ الشخصية بدأت في الظهور في السينما بعد فيلم Elizabethtown التي ظهرت فيه كريستين دانست وأدت دور هذا النوع من الشخصية. بعدها أطلق أحد نُقاد السينما مصطلح الـ (Manic Pixie Dream Girl الفتاة العابثة الخيالية) واصفًا فيه شخصية كريستين، التي يقع في حبها البطل على نحو شبيه بالعبادة والهوس! انتشر هذا المصطلح انتشارًا واسعًا في مقالات نقد السينما والروايات والقصص. حتى أن بعض الروايات كانت تحتوي على نموذج هذهِ الشخصية قبل تركيب مُسماها، وبعد انتشار المسمى أصبح القراء قادرين على تمييزها.

الفتاة العابثة الخيالية هي لُغز، هي شخصية لا تمثل الحقيقة، ونسخة أنثوية من أحلام بطل القصة، خُلقت لا لتُكمله وحسب بل أيضًا لِتُغيره إلى الأفضل. فهي مثقفة، وتحفظ الكُتب عن ظهر غيب، ولا تُشكل أي عبء عليه فهي مثله، تُحب الألعاب الإلكترونية، وتستمع لمشاكله دومًا من غير أن تكون لها مشاكلها الخاصة وتأكل بشراهة دون أن يتغير مقاس بنطالها! هي ستجعله يهوى الخروج للمجتمع، ستُعلمه وستكون جزءًا من رحلة تغييره. لذا، هي موجودة ليست بصفتها شخص إنما كأداة روائية. في كل فلم ورواية قد تختلف معالم هذه الشخصية، لكن في النهاية يجمعها شيء واحد: هي حاضرة لأجل البطل ولتطور شخصيته من غير أن تتغير أو تتطور هي نفسها.


Sam in Garden State Film

الفتاة العابثة الخيالية: شخصية خُلقت لصالح تطوير البطل وجعلهِ يعشق الحياة ومغامراتها، بعد أن كان يعيش حياة روتينية. عادة يكون هذا البطل شخصًا وحيدًا وغير جذاب اجتماعيًا.

أين نرى الفتاة العابثة الخيالية في السينما؟

- ثمة حرق لقصصِ الأفلام أدناه.

Summer in 500 hundred days of summer

سمر (الصيف) هي مثالٌ رائع لنموذج الفتاة العابثة الخيالية! فهي تبدو للبطل كالفتاة المنفصلة عن مجتمعها والبعيدة المنال، ونراها دومًا من خلال وجهة نظر توم (الراوي/البطل) فقط. وبينما كان توم المهندس المعماري يقضي حياته يصمم بطاقات المعايدة خوفًا من أن يبدأ مهنة التصميم الهندسي المليئة بالتحديات يلتقي بسمر في المصعد ويكتشف أنها تُبادله الذوق الموسيقي، فكلاهما يُحب The Smiths، وفقط لهذا السبب يظن بأنه أخيرًا قد وجد تلك الفتاة التي ستُغير مجرى حياته، فهي غريبة مثله (كما يظن).

جوزيف كان مهووسًا بسمر لأنها كانت تُمثل له الصورة المبتذلة والنمطية للمرأة، المفترض بها ألا تمتلك أي حياة، وأن تُسانده دومًا ليصل إلى نسخته الأعظم. هي الفتاة التي تقف وراء الرجل العظيم الذي سيكونه. توم فعلًا يتغير بعدما يكتشف أن سمر لا تعيشُ لتحقيق أحلامه، ويقرر بأن يخاطر ويترك عمله ليأخذ نفسه على محمل الجد وأن يخوض في حياة بصفتهِ مهندس معماري. لكننا نرى أن توم ما زال يعيش تحت وقع حُلم الفتاة العابثة الخيالية. وهو لن ينمو أبدًا إذ نراهُ في نهاية الفيلم ينجذب إلى فتاة أخرى اسمها أوتوم (الخريف) رمزًا لعدم نضج جوزيف وبحثه الدائم عن فتاة مؤقته كالفصول لتغييره .

Clementine in Eternal Sunshine of the Spotless Mind

هذا الفلم عبقري جدًا. فالمخرج الفرنسي ميتشل غوندري لم يقع تحت فخ تكوين شخصية الفتاة العابثة الخيالية ليخلق بالمقابل شخصية امرأة طبيعية فحسب، بل جعل هذا النموذج موجودًا في بداية وعي البطل جويل، ومن ثم هدمها تمامًا.

مثل كل القِصص، جويل هو ذاك الرجل كثير التعثر والهادئ، والذي لا يعرف كيف لهُ أن يُعبر عن نفسه. وكلامنتيان عكسه، فهي صاخبة، ومجنونة، ومليئةٌ بالحياة. منذ بداية علاقتهم ينتظر جويل من كلامنتيان أن تبقى كما تعَرّف عليها في البداية، وأن لا تتغير ولا تغضب ولا تنفجر في وجهه. لم يريدها أن تفقد السيطرة على نفسها، فهو فقط الذي أجاز لنفسه ذلك.

كلامنتيان كانت فعلًا موجودة من أجل أن تُغير جويل، لكن في منتصف الفلم تبدأ بالظهور كشخصية حقيقية أكثر، وليس كمفهوم أو نموذج. فكلامنتيان سريعة الملل من علاقاتها مع الرجال، ودائمة القلق، وتخاف دومًا أن تُفوتها الفرص وألا تعيش حياتها كاملة لذلك هي لا تريدُ أن تعيش حبيسةً لأحد.

وبرغم ذلك، تقع كلامنتيان في حُب جويل. إلا أن هذا الشعور، الذي يسمى بالضجر، اجتاحها. ولذلك قررت أن تذهب للطبيب وتطلب محوهُ من ذاكرتها لتعيش مرة أخرى بدايةً جديدة.


جويل، انتقامًا منها، يقرر بأن يمحوها من ذاكرته أيضًا. لكنهما حتى بعد ذلك، يرجعان لبعضهما البعض ليكررا تجربة الوقوع في الحُب مرة أخرى، مرة جديدة. لأن كليهما لم يعرف معنى الحب الحقيقي. جويل كان يريد لكلامنتين أن تظل تلك الطفلة الشقية الصغيرة للأبد، وهي أرادت أن تظل تشعر بنشوة الحب الجديد في كل مرة.


في نهاية الفلم تقريبًا، تأتي لحظة إدراك جويل لماهية الحُب حيث تقع بينه وبين كلامنتين هذهِ المحادثة الرائعة:



بينما كان جويل يحاول إرجاع كلامنتين طلبت مِنه أن يفهمها قائلة:

“أنا لست بمفهوم. الكثير من الرجال يعتقدون أنني مفهومًا خاصًا بهم أو أنني سأُكملهم أو أجعلهم على قيد الحياة، ولكننني مجرد فتاة مُدمرة وأبحث عن راحة بالي. لا تجعل من تحسين حياتك وظيفةً لي”

هنا بالذات تكمن عبقرية الفلم. فالمخرج بنى الصورة النمطية للحب في البداية وصورها بطريقة رائعة وتدريجيًا جعلنا نتقرب من الشخصيات ونفهمها ثم هدمها أمامنا. فقد نقل الشخصيتان من صورةً وهمية إلى شخصيات حقيقية يستطيع الجميع أن يرتبط بهما. فجويل وكلامنتين كلاهما مضطربان وخائفان. لذا فهما يستمران بتكرار محو بعضهما البعض لكنهما يرجعان للوقوع في الحب مرة أخرى في نهاية المطاف. ولذلك سُمي الفلم اقتباسًا من قصيدة ألكساندر بوب التي تتغنى بجمال النسيان.

أمثلة سريعة أخرى لأفلام فيها شخصية الفتاة العابثة الخيالية:


في الروايات والأدب:

- ثمة حرق لقصص الرويات والكتب أدناه.


جون گرين:


John Green
John Green

الكاتب الأمريكي جون گرين هو أكثر كاتب مُعاصر ارتبط اسمه بصناعة هذا النموذج. فقد كتب ثلاث روايات تتمحور قصصها حول شخصية المراهق الذي يمر بحالة اكتئاب وعزلة وعدم فهم للذات ومن ثم يتطور بعدما يُقابل الفتاة الجميلة التي تُغيره وتُلهمه وتجعله شخصًا أفضل. مثلًا في كتابه «البحث عن ألاسكا» التي تحكي قصة وقوع مايلز هالتر البطل «العادي» بحب ألاسكا يونغ الفتاة الجميلة، والجامحة، والغامضة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها. هي أيضًا مُكتئبة وحزينة لأسباب غير واضحة. كل هذا بالطبع يصنع رزمة رائعة لخلق دراما حول المراهق العادي مايلز.

ألاسكا لم تتجاوب مع مشاعر مايلز لكنُه مع ذلك يظل يعبدها، كل حركات وكلام ألاسكا يعمل كمحفز لنمو بطل الرواية واستيعابه لذاته، بينما ألاسكا ظلت أشبه بالفقاعة. ما فعله جون گرين هو أنه خلق حالة من الغموض تدور حول ألاسكا، فهي لا تعبر عن نفسها أبدًا لأن مايلز مشغولٌ بضحكاتها وجنونها فقط.

تبدو لنا ألاسكا كفتاة تعاني من الاكتئاب والحزن، وفي نهاية مطافها تموت في حادث سيارة غريب. ظن البعض أنها قد أقدمت على الحادث بنفسها لتنتحر. مايلز يعيش بعدها متذكرًا ألاسكا وموتها. هل أقدمت عليه؟ أم أنه كان مجرد حادث؟ ألاسكا بالنسبة لهُ لغز، وهذا ما يبرع جون گرين بكتابته، فهو يهوى أن يجعل الفتاة العابثة الخيالية لُغزًا لا يُفك حتى بعد اختفائها من القصة.

تكررت ذات الثيمة في كتابه (مدن ورقية) إذ يكتب أيضًا عن الفتاة اللغز التي من شأنها تغيير حياة البطل فقط من غير وجود أي عمق لها، و في كتاب (الكثير من كاثرين) نرى هذا النمط موجودًا أيضًا؛ لدرجة أن المعجبين بجون گرين -أو كما يطلق عليهم لقب (Nerd-Fighters) توقعوا بأن جون نفسه قد عاش تجربة حب من طرف واحد في أيام دراسته ولهذا قضى فترة طويلة يكتب حول موضوع هذه العلاقة الفاشلة ويخلق نفس القصة بطرق واحتمالات مختلفة.

حاول جون گرين أن يخرج من لعنة ثلاثية الفتاة العابثة الخيالية بوضوح في كتابه (الخطأ في أقدارنا)، وأول خطوة أجراها للهروب من هذه اللعنة، هو أن يكتب من وجهة نظر الفتاة: هيزل گرايس المصابة بالسرطان، والتي تقع في حُب أوگستس واترز والذي -بالمقابل أيضًا- يُغير حياتها بطاقته الإيجابية وحُبه للحياة! فهل نجح فِعلًا جون بالهرب من هذهِ اللعنة؟ أم أنه فقط غيّر جنس راوي القصة ليخلق نفس المحتوى؟

هاروكي موراكامي:

Haruki Murakami
Haruki Murakami

موراكامي، الكاتب الياباني المٌعاصر، عظيم في صنع علامتهِ التجارية: القطط، والهدوء القاتم، والأحداث الخارجة عن الواقع، والجاز، وأغاني البوب الأميركية والعامل الأهم هو الفتاة العابثة الخيالية.

المثال الأمثل هنا قد يكون متجليًا في روايته (الغابة النرويجية)، فالبطل واتانابي وحبيبته ناوكو كلاهما كانا يمران بمرحلة ما بعد انتحار صديقِ مُقرب. وبينما كانت ناوكو تتعالج من هذا الحزن في المصحة، يتعرف واتانابي على (ميدوري)، الفتاة الجامحة وذات التصرفات الطفولية لتُعزز من قوته وتجعله يتشبث بالحياة أكثر بعدما كانت حبيبته الأولى، ناوكو، تُمثل له الموت. ميدوري لا تُضيف الحياة للبطل فقط إنما للرواية كاملة.

يُكرر موراكامي استخدامه للفتاة العبثية التي تُغير ملامح حياة البطل المكتئب ذو الحياة الرتيبة، لكنّ موراكامي -عكس الكُتاب الآخرين- لا يعتمد على تصوير هذه العلاقة الديناميكية من أجل تقوية البطل، أو ليوضح معنى العلاقة بين الجنسين، إنما يستخدمها لإيصال معانٍ أكبر من ذلك: كحقائق الحياة، والوعي الإنساني، والذكرى والنسيان. كيف؟

لنرجع لرواية الغابة النرويجية، بعدما ينتحر صديق واتانابي وناوكو؛ يستشعر واتانابي الموت حوله في كُل مكان، في وحدته خلال طبخ طعامه، وخلال حديثه مع أصدقائه وتحديدًا مع مكوث ناوكو في المصحة. لكنه بعدما أن يتعرف على ميدوري يبدأ هذا الشعور بالاختفاء تدريجيًا لتحل هي محله بالمقابل. هذا التدرج والتنقل من ثقل الموت إلى عبثية الحياة يشعر بِه واتانابي من خلال تنقل علاقته ومشاعره بين ناوكو وميدروي. ولا ننسى أن نذكر أنه عندما يكون واتانابي مُشتتًا ولا يعرف، أيُ منهن يجب عليه الاختيار ليعشقها؛ يذهب البطل إلى فتاة ثالثة ليمارس الجنس معها ولتساعدهُ في اتخاذ القرار. الحب والجنس والمرأة في روايات موراكامي أدوات يستخدمها من أجل تحريك وتطوير وتقوية شخصية ووعي البطل.

غير جون گرين وموراكامي، ثمة كُتاب كثيرون ارتبطت كتابتهم بالهيمنة الذكورية والحيادية بالتعبير. يطلق عليهم اسم Male- Novelist أو الروائي-الذكر. فهم يتخيلون مشهد الرجل الذي يُدخن أنه بطوليٌ وعميق. وبأن البطل ليس عليه أن يشرح نفسه، لأن لا أحد يفهمه أساسًا. يشرب كثيرًا ويمارس الجنس مع النساء ليزيد من استيعابه للحياة، فالجنس مثل التأمل بالنسبة إليه. أيضًا الروائي- الذكر يعيش ليكتشف ذاته ولا شيء حوله يبدو حقيقيًا أو مُهما. لا يوجد سواه وهو الحقيقة الوحيدة المتجلية.

احتل الروائي الذكوري الأشياء والأشخاص لأجل مشاكله الخاصة وحيادية مشاعره أيما احتلال. لكن سؤالي دائما: هل يجب علينا أن نهدم هذه المُستعمرة التي بناها الروائيون الذكوريون ورسم شخصيات تنهيها مثلما فعلت جيليان فلين في كتابها Gone Girl الفتاة المفقودة؟ وهل سيتجهن النساء لكتابة نوع مُماثل من الروايات التي تتمحور حول (وحدة الأنا) كانتقام؟ أم أن هذا كله مُجرد عكس للواقع الحالي الذي يعزز للوحدة نظرًا لأن الفلسفات الرومانسية والروحانية لم تعد موجودة في عالمنا الحالي؟


*كُتاب آخرين معروفون بالصوت الذكوري: إرنست همنغواي، فرانسيس سكوت كي فيتزجيرالد، ستيفين شبسكي.

bottom of page