top of page
  • Writer's pictureضي الراشد

رواية صاحب الظل الطويل، لماذا يجب ان تقرأها؟

صاحب الظل الطويل، تلك الرواية التي لن أنفك عن اعتبارها أقرب القصص إلى قلبي.

الروايات التي تتمحور حول شخصيةٍ تترعرع في دار الأيتام (أو أي بيئة قاسية) ومن ثُم تتصاعد الأحداث والتجارب عليها خلال فترة نموها لحين وصولها إلى نضجٍ أخلاقي وشخصي تُسمى بروايات التشكيل (Bildungsroman). هذا النوع من الروايات يخلق للقارئ تجربة خوض رحلة سيرة ذاتية لتكوين شخصية بطل القصة مُنذ البداية (مرحلة اللا نضج) إلى مرحلة بلوغ النُضج الكامل (حسب وجهة نظر الكاتب) من خلال تتبع أسباب وأحداث وصراعات مجتمعية وداخلية قادت إلى نضج الشخصية ويجعلنا نفهمها ونغوص في أعماقها.


ديفيد كوبرفيلد، والحارس في حقل الشوفان، وستونر، وجين إير… كُلها تندرج ضمن هذا النوع من الروايات. لكن هنالك الكثير من المقالات التحليلية التي كُتبت عن هذهِ الكُتب وكُلها تعتبر من أعمدة الروايات الكلاسيكية التي أُخذت على محمل الجد على مر الأعوام. هُنا لا أريد أن أكتب عن أي من هذهِ الكتب. أُريد هُنا أن أكتب عن رواية ضاعت بين هذهِ الأسماء الكبيرة وأن أتناولها من منظورٍ آخر، منظورٍ أعمق من كونها قصة قصيرة تحولت لرسوم كرتونية ورأيناها في التسعينات.

صاحب الظل الطويل

أو أبي طويل الساقين هي رواية رسائلية صدرت عام 1912 للكاتبة الأميركية جين ويبستر. تدور قصة الرواية حول فتاة يتيمة نشأت في ملجأ اسمها "جودي أبوت"، تكتب رسائل إلى ولي أمرها الرجل الغني الذي لم تلتقي به.

هل تذكرون رسومها المُتحركة؟!


الرسوم المتحركة التي تم الاستناد عليها من الرواية ربما لم تشد الكثير من المُشاهدين من صِغار السِن الباحثين عن الإثارة السريعة، فالقصة غير تقليدية من عدة نواحي -سنتطرق لذلك-. القصة تتمحور حول جيروشا أبوت (أو كما تُحب أن يُطلق عليها جودي أبوت) وتطوير شخصيتها خلال سكنها في دارٍ للأيتام حيث تعتمد ظروف معيشتهم على التبرعات بشكلٍ كامل، وبالتالي -كون جودي معتمدة على الإعانة المادية من الآخرين- لم يكُن هذا سهلًا لها لتصل إلى استقلالية مادية ومعنوية من دون الاعتماد على الآخرين.


Daddy-Long-Legs Novel by Jean Webster
Daddy-Long-Legs Novel by Jean Webster

الكاتبة سردت لنا قصة جودي أبوت منذُ دخولها الكلية كفتاة غير متعلمة من الميتم القاسي التي كانت تعيش فيه، حتى تخرجها بعد ٤ سنوات كفتاة ناضجة ومستقلة بكل احترافية. هي أيضًا وضحت لنا بطريقة ذكية وغير مباشرة كيف تغيرت أفكار جودي الصغيرة ومفاهيمها الأخلاقية والعاطفية وحتى السياسية عبر السنين بدون المساس بأصل شخصية جودي المندفعة والشقية والذكية وأخيرًا صاحبة الكبرياء الأقرب للعناد.

دعونا نتكلم عن الرواية بطريقةِ أعمق:

في البداية، إن ترتيب وسرد القصة مختلفٌ نوعا ما عن باقي الروايات، بحيث أنها لا تتبع الشكل المُعتاد للكتابة. فالكتاب عبارة عن رسائل كتبتها جودي بشكل شهري خلال السنوات التي قضتها في الكلية لصاحب الظل الطويل تحكي فيها عن مشاعرها وأفكارها وحتى يومياتها...

لكن لماذا كانت تكتب له؟ وما الذي جعلها تستمر في ذلك؟

*ملاحظة: لا يوجد حرق. فقط القصة بِشكل عام*

افتتاحية الكتاب:

" كان يوم الأربعاء الأول من كل شهر يومًا فظيعًا للغاية - وهو يوم يُنتظر بِكُل رهبة، يٌحتمل بالشجاعة وسُرعان ما يُنسى. يجب أن يكون كل طابق نظيفًا، وكلُ كرسيٍ بلا غبار، وكل سرير بلا تجعد. بالإضافة إلى سبعة وتسعين طفلٍ صغير يتيم يجب تنظيفه وتمشيطه وإحكام إغلاق أزرار ملابسه القطنية الجديدة. وجميع السبعة والتسعون يجب تذكيرهم باتباع حُسن الخُلق، وأن يتعلموا قول: "نعم، يا سيدي"، و "لا، يا سيدي" عندما يتحدث الأوصياء إليهم. لقد كان وقتًا مؤلمًا. والمسكينة جيروشا أبوت ، كونها أكبر يتيمة ، كان عليها تحمل عبء ذلك."

جودي -كما هو واضح- لم تحضى بطفولة أو حتى مراهقة جيدة خلال بقائها في دار الأيتام. فكونها روُحًا حُرة وتهوى الكِتابة، فإن دار الأيتام، كان كالسجن لها. لهذا، بعد خبر تكفل أحد الأوصياء بتعليمها بأكثر الكليات رُقيًا كان أشبه بالحلم! وصفت نفسها بعد تلقي الخبر بأنها أسعد شخص ولا يمكن لأي شي أن يجعلها أقل سعادة.


”لقد كنت أفكر فيك كثيراً هذا الصيف. وجود شخص يهتم بيّ بعد كُل هذهِ السنوات يجعلني أشعر كما لو أنني وجدت جزءا من العائلة. كما لو أنني أنتمي إلى شخص ما الآن، وهو شعور مريح للغاية.“

هذا الوصي الذي وعد بالتكفل بتدريس جودي لم يوضح اسمهُ لها. واشترط لها أن تكتب لهُ رسالةً كُل شهر وألا تتوقع منهُ أي رد! جل ما عرفتهُ جودي من هويته، هو أن اسمه جون سميث -كما طلب مِنها أن تُشير إليه- وظله الطويل جدًا الذي لمحتهُ وهو في طريقه خارجًا من دار الأيتام يومًا ما. ومن هُنا استلهمت جودي لقب ”صاحب الظل الطويل“ (Daddy-Long-Legs).


"ومع ذلك، يجب أن أقول أنه عندما أفكرُ فيك، فإن خيالي لديه القليل جدا لتصورك. هنالك ثلاثة أشياء فقط أعرفها عنك: I. أنت طويل القامة. II. انت غني. III. أنت تكرُه الفتيات. أشعر انني عندما أشُير إليك بالسيد كاره الفتيات فإن ذلك سيكون إهانةً لي. أو بعزيزي السيد الغني، ولكن هذا مهين لك أنت، كما لو أن المال هو الشيء المهم الوحيد عنك. وإلى جانب ذلك، كونك غنيًا فذلك يُعتبر صفة خارجية. فربما لن تبقى ثريًا طول حياتك. فلقد تم تحطيم الكثير من الرجال الأذكياء في وول ستريت. لكنك، على الأقل، ستبقى طويل القامة طوال حياتك! لذلك قررت ان أُشير إليك بصاحب الظل الطويل. آمل ألا تمانع. إنه مجرد اسم ودّي، لن نخبر السيدة ليبِت عنه.“

لابد وأن أذكُر هُنا أن اسم (Daddy-Long-Legs) لهُ معنى آخر وهو أنهُ يُعتبر اسمًا مُتعارفا عليه لنوع العناكب ذات الأرجل الطويلة وتدعى بقوسيات القوائم!


استوقفني في الكتاب تذبذب مشاعر جودي تجاه الوصي (صاحب الظل الطويل) فمن بين ذكرها لأحداثها اليومية وأدائها الدراسي ومغامراتها مع صديقتيها ”سالي“ و”جوليا“ التي تشاركهن الشقة، كانت لا تكف عن محاولاتها لكسب عطف صاحب الظل الطويل على أمل أن يُرسل لها ردا بخط يده ولو مرة!

جودي تارة تعتبر وصيّها عائلتها الوحيدة -كوالدها- وتارة تُصرح بأنها لا يُمكن أن تحب رجلاً أكثر منه وتارة تكرهُ غموضه وأسلوبه القاسي بالتعامل معها.


”إنها تلك الأوامر الجامدة هي التي تؤذي مشاعري. فلو كُنت تشعُر تجاهيّ بأي مشاعر على الإطلاق كما أنا أشعر تجاهك؛ فربما عندها سترسل إلي رسالة تكتبها بيدك، بدلاً من ملاحظات السكرتير الوحشية. لو كان هناك أدنى تلميح انك تهتم بي، عندها سأفعل اي شي على وجه الارض لإرضائك“

أحد أساليب الكاتبة الرائعة في إثراء محتوى الرواية كانت في استخدام حب جودي للمطالعة واستخدام هدفها بأن تصبح كاتبة لذكر شتى أنواع الكنوز الأدبية الإنگليزية، وربما أيضا لإضافة آراء جودي ببعض الروايات المعروفة. ولم تتوقف هنا فقط! فهي قد استدلت بتاريخ جودي لتكوين آرائها السياسية وحتى الدينية!


الرواية ليست فقط رائعة لغويًا. فهي مدعومة أيضًا برسومات من صُنع الكاتبة، وهي التي جعلت من الكتاب قطعة فنية رائعة تُضيفها لمجموعة الكتب عندك!

لا يسعني الحديث عن هذه الرواية فهي ذلك النوع من الروايات التي تشعُر بها أكثر مما تقرأها. فتلك الفتاة التي تُسعدها الجوارب اللماعة، والفساتين، والقبعات الجديدة، لكن كبريائها يجعلها ترفض أن تستقبل هذهِ الهدايا من وصيّها بلا مقابل. فكيف لها أن تتمالك نفسها في ظل المغريات حولها؟ وكيف ليتيمة أن تعيش بين الأثرياء من دون أن تشعر بالنقص؟ وكيف لها أن تعرف ما هو معنى الحُب الحقيقي: هل هو الاحتياج؟ أم الاكتفاء؟

كل هذه المشاعر في رواية محبوكة بشكل مثالي صنعت لي أفضل قصة خيالية بلا منازع. مبادئ جودي الإنسانية ومشاعرها الصادقة من أجمل ما يكون. يجب أن لا ننسى أن الرواية أثارت الكثير من الجدل أيضًا! مثلًا الفارق العمري بينها وبين الوصي الذي يكبُرها بـأربعة عشر عامًا! حيث اعتبر الكثير من القراء المعاصرين ذلك كأمرٍ غريب وغير مألوف خاصة وأن في الرسوم المتحركة تم تغيير القصة وجعل جودي تدرس في الثانوية العامة بدلا من الكلية. النسويات، من ناحية أخرى، اعتبروا الكتاب مُضادا للنسوية مع أنه خلال القصة نرى تطور جودي بشكل ملحوظ.

الكاتبة حولت القصة لعرض مسرحي في سنة ١٩١٦م ومن بعدها تم تحويل القصة لفلم وعروض غنائية أخرى بالإضافه إلى الرسوم المتحركة الأشهر بالنسبة لنا!

للأسف الرواية متوفرة فقط في خارج البلاد العربية باللغة الإنگليزية وبالشكل الإلكتروني -تستطيع تحميلها هُنا- لعدم شهرتها الكافية. ولكنها متوفرة بالشكل الورقي ومترجمة للغة العربية وتباع في فيرجن ميجاستور لدار ”منشورات تكوين“ لكني لم أقرأها شخصيًا. عموماً، أحب دائماً أن أقرأ الكِتاب بلغتة الأصلية -إن استطعت- حتى لا يذهب مجهود الكاتب وأستشعر أكثر بقيمتها اللغوية. الرواية سهلة لغوياً وفيها كم كبير من الكلمات اللي سوف تُثري لغتك الإنگليزية!

فلماذا لا تُعطيها فُرصة القراءة؟ وبالمناسبةً، هل قرأت الرواية أو شاهدت الرسوم؟ إن كان نعم؛ فما رأيك فيها؟

bottom of page